سورة النمل - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)}
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة} بيان لأحوال الكفرة بعد أحوال المؤمنين أي لا يؤمنون بها وا فيها من الثواب على الأعمال الصالحة والعقاب على الأعمال السيئة حسا ينطق به القرآن {زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم} القبيحة بما ركبنا فيهم من الشهوات والأماني حتى رأوها حسنة {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} يتحيرون ويترددون والاستمرار في الاشتغال بها والانهماك فيها من غير ملاحظة لما يتبعها. والفاء لترتيب المسبب على السبب. ونسبة التزيين إليه عز وجل عند الجماعة حقيقة وكذا التزيين نفسه، وذهب الزمخشري إلى أن التزيين إما مستعار للتمتيع بطول العمر وسعة الرزق وإما حقيقة وإسناده إليه سبحانه وتعالى مجاز وهو حقيقة للشيطان كما في قوله تعالى: {زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} [الأنفال: 48].
والمصحح لهذا المجاز إمهاله تعالى الشيطان وتخليته حتى يزين لهم، والداعي له إلى أحد الأمرين إيجاب رعاية الأصلح عليه عز وجل. ونسب إلى الحسن أن المراد بالأعمال الأعمال الحسنة وتزيينها بيان حسنها في أنفسها حالًا واستتباعها لفنون المنافع مآلًا أي زينا لهم الأعمال الحسنة فهم يترددون في الضلال والإعراض عنها.
والفاء عليه لترتيب ضد المسبب على السبب كما في قولك: وعظته فلم يتعظ، وفيه إيذان بكمال عتوهم ومكابرتهم وتعكيسهم الأمور، وتعقب هذا القول بأن التزيين قد ورد غالبًا في غير الخير نحو قوله تعالى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} [آل عمران: 14] {زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا} [البقرة: 212] {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مّنَ المشركين} [الأنعام: 137] إلخ ووروده في الخير قليل نحو قوله تعالى: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الايمان وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] ويبعد حمل الأعمال على الأعمال الحسنة إضافتها إلى ضميرهم وهم لم يعملوا حسنة أصلًا. وكون إضافتها إلى ذلك باعتبار أمرهم بها، وإيجابها عليهم لا يدفع البعد.
وذكر الطيبي أنه يؤيد ما ذكر أولًا أن وزان فاتحة هذه السورة إلى هاهنا وزان فاتحة البقرة فقوله تعالى: {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة} كقوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} [البقرة: 6] وقوله سبحانه: {زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم} [النمل: 4] كقوله جل وعلا: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ[البقرة؛ 7].
وقد سبق بيان وجه دلالة ذلك على مذهب الجماعة هناك وأن التركيب من باب تحقيق الخبر وأن المعنى استمرارهم على الكفر وأنهم بحيث لا يتوقع منهم الإيمان ساعة فساعة أمارة لرقم الشقاء عليهم في الأزل والختم على قلوبهم وأنه تعالى زين لهم سوء أعمالهم فهم لذلك في تيه الضلال يترددون وفي بيداء الكفر يعمهون، ودل على هذا التأويل إيقاع لفظ المضارع في صلة الموصول والماضي في خبره وترتيب قوله تعالى: {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} بالفاء عليه، واختصاص الخطاب بما يدل على الكبرياء والجبروت من باب تحقيق الخبر نحو قول الشاعر:
إن التي ضربت بيتًا مهاجرة *** بكوفة الجند غالت ودها غول
وفي الأخبار الصحيحة ما ينصر هذا التأويل أيضًا.


{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)}
{أولئك} إشارة إلى المذكورين الموصوفين بالكفر والعمه وهو مبتدأ خبره {الذين لَهُمْ سُوء العذاب} يحتمل أن يكون المراد لهم ذلك في الدنيا بأن يقتلوا أو يؤسروا أو تشدد عليهم سكرات الموت لقوله تعالى: {وَهُمْ فِى الاخرة هُمُ الاخسرون} ويحتمل أن يكون المراد لهم ذلك في الدارين وهو الذي استظهره أبو حيان ويكون قوله تعالى: {وَهُمْ} إلخ لبيان أن ما في الآخرة أعظم العذابين بناءً على أن {الاخسرين} أفعل تفضيل، والتفضيل باعتبار حاليهم في الدارين أي هم في الآخرة أخسر منهم في الدنيا لا غيرهم كما يدل عليه تعريف الجزأين على معنى أن خسرانهم في الآخرة أعظم من خسرانهم في الدنيا من حيث أن عذابهم في الآخرة غير منقطع أصلًا وعذابهم في الدنيا منقطع ولا كذلك غيرهم من عصاة المؤمنين لأن خسرانهم في الآخرة ليس أعظم من خسرانهم في الدنيا من هذه الحيثية فإن عذابهم في الآخرة ينقطع ويعقبه نعيم الأبد حتى يكادوا لا يخطر ببالهم أنهم عذبوا كذا قيل.
وقال بعضهم: إن التفضيل باعتبار ما في الآخرة أي هم في الآخرة أشد الناس خسرانًا لا غيرهم لحرمانهم الثواب واستمرارهم في العقاب بخلاف عصاة المؤمنين، ويلزم من ذلك كون عذابهم في الآخرة أعظم من عذابهم في الدنيا ويكفي هذا في البيان، وقال الكرماني: إن أفعل هنا للمبالغة لا للشركة، قال أبو حيان: كأنه يقول: ليس للمؤمن خسران البتة حتى يشركه فيه الكافر ويزيد عليه ولم يتفظن لكون المراد أن خسران الكافر في الآخرة أشد من خسرانه في الدنيا فالاشتراك الذي يدل عليه أفعل إنما هو بين ما في الآخرة وما في الدنيا اه كلامه. وكأنه يسلم أن ليس للمؤمن خسران البتة وفيه بحث لا يخفى، وتقديم {فِى الاخرة} إما للفاصلة أو للحصر، وقوله تعالى:


{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرءان} كلام مستأنف سيق بعد بيان بعض شؤون القرآن الكريم تمهيدًا لما يعقبه من الأقاصيص، وتصديره بحرفي التأكيد لإبراز كمال العناية ضمونه وبني الفعل للمفعول وحذف الفاعل وهو جبريل عليه السلام للدلالة عليه في قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الروح الامين} [الشعراء: 193] ولقى المخفف يتعدى لواحد والمضاعف يتعدى لاثنين وهما هنا نائب الفاعل والقرآن، والمراد وإنك لتعطي القرآن تلقنه {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} أي أي حكيم وأي عليم، وفي تفخيمهما تفخيم لشأن القرآن وتنصيص على علو طبقته عليه الصلاة والسلام في معرفته والإحاطة بما فيه من الجلائل والدقائق، والحكمة كما قال الراغب من الله عز وجل معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات وجمع بينهما وبين العلم مع أنه داخل في معناها لغة كما سمعت لعمومه إذ هو يتعلق بالمعدومات ويكون بلا عمل ودلالة الحكمة على أحكام العمل وإتقانه وللإشعار بأن ما في القرآن من العلوم منها ما هو حكمة كالشرائع ومنها ما هو ليس كذلك كالقصص والأخبار الغيبية. وقوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8